خطبة للدكتور خالد بدير بعنوان “الحفاظ على البيئة ودوره في التنمية”
خطبة جمعه بعنوان: الحفاظ على البيئة ودوره في التنمية
بتاريخ: 28 ربيع الآخر 1435هـ الموافق: 28 / 2 / 2014م
عناصر الخطبة:
العنصر الأول: النظافة سلوك إسلامي وإنساني
العنصر الثاني: علاقة الإنسان بالبيئة
العنصر الثالث: واجبنا نحو البيئة
المقدمة: أما بعد:
العنصر الأول: النظافة سلوك إسلامي وإنساني
حث الإسلام على نظافة البيئة وجمالها ونضرتها والعناية الفائقة بها، واعتبرها من صميم رسالته؛ وذلك لأن أثرها عميق في تزكية النفس وتمكين الإنسان من النهوض بأعباء الحياة، كما اهتم الإسلام بنظافة الأجسام اهتماماً كبيراً ، وقد بيَّن رسول الله r- – أنَّ الرجل الحريص على نضارة بدنه، ووضاءة وجهه، ونظافة أعضائه يُبْعَثُ على حاله تلك يوم القيامة، فعن أبي هريرةَ قال سمعتُ النبيَّ – r – يقول : “إنَّ أُمتي يُدعونَ يومَ القيامةِ غُرًّا مُحجَّلينَ من آثارِ الوضوءِ، فمنِ استطاع منكُم أن يُطيلَ غُرَّتهُ فلْيفعل ” البخاري”
إن كثيراً من الناس يظنون أن الدين الإسلامي ليس له علاقة بالنظافة، وهذا ما اعتقده مشركو العرب؛ بل وتعجبوا من ذلك متسائلين، فعَنْ سَلْمَانَ قَالَ : قَالَ لَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ يَسْتَهْزِئُونَ بِهِ: إِنِّي أَرَى صَاحِبَكُمْ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ ؟ قَالَ: ” أَجَلْ، أَمَرَنَا أَنْ لاَ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَأَنْ لاَ نَسْتَنْجِيَ بِأَيْمَانِنَا، وَلاَ نَكْتَفِيَ بِدُونِ ثَلاَثَةِ أَحْجَارٍ ، لَيْسَ فِيهَا رَجِيعٌ وَلاَ عَظْمٌ.”( ابن ماجه)، بل جعل الإسلام الطهارة والنظافة جزءاً من الإيمان، ففي صحيح مسلم عن أبي مالك الأشعري أن النبي -r- قال: ” الطهـور شطر الإيمــان “
والطهارة في الإسلام شرط لصحة الصلاة، سواء كانت الطهارة من الحدث بالوضوء والغسل، أم من الخبث؛ بالتنظيف المناسب، وهي طهارة الثوب والبدن والمكان، ولهذا كان (باب الطهارة) أول ما يدرس في الفقه الإسلامي؛ لأنه مدخل ضروري للصلاة، فمفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الطهور، وقد أثنى القرآن الكريم على أهل قباء لحرصهم على التطهر وحبهم له، فقال تعالى: } لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ { (التوبة: 108)، وقال تعالى في سياق التطهـر بعـد الحيض: } إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ{ (البقرة: 222)
ومظاهر النظافة والطهارة في الإسلام تشمل جميع عناصر البيئة وتتمثل فيما يلي:-
1- نظافة الأسنان والفم: فمن السنن المؤكدة السواك، فعلينا استخدام الفرشاة أو السواك، طهارةً لنا وإحياءً لسنة نبينا – r – ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ – r -: ” لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي ، لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ.” ( الشيخان ) ، وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ – r – قَالَ : ” تَسَوَّكُوا ؛ فَإِنَّ السِّوَاكَ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ ، وَمَا جَاءَنِي جِبْرِيلُ إِلاَّ أَوْصَانِي بِالسِّوَاكِ ، حَتَّى لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي ، وَلَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي ، لَفَرَضْتُهُ لَهُمْ ، وَإِنِّي لأَسْتَاكُ , حَتَّى لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ أُحْفِيَ مَقَادِمَ فَمِي.” ( سنن ابن ماجه )
2- نظافة الرأس: وذلك بغسله وتمشيط الشعر وقصه وحلقه، كل ذلك يضفي على المؤمن حسن الشكل والمظهر، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، عَنِ النَّبِيِّ – r -، قَالَ : ” مَنْ كَانَ لَهُ شَعْرٌ فَلْيُكْرِمْهُ ” (أبو داود )، وعَنْ جابر قَالَ : أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ – r – زَائِرًا فِي مَنْزِلِي فَرَأَى رَجُلاً شَعِثًا ، فَقَالَ : ” أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يُسَكِّنُ بِهِ رَأْسَهُ ؟ وَرَأَى رَجُلاً عَلَيْهِ ثِيَابٌ وَسِخَةٌ ، فَقَالَ : أَمَا كَانَ يَجِدُ هَذَا مَا يَغْسِلُ بِهِ ثِيَابَهُ ؟ ” (أحمد، وأبو داود، وابن حبان، والحاكم)
3- نظافة البيوت والأفنية والمساجد ونظافة الأماكن العامة: فلا بد من تنظيفها من كل الأقذار والأخباث التي يسوء منظرها، ويضر مخبرها. فعن سعيد بنِ المُسَيَّبِ مرسلاً قال: – r – “إنَّ اللهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ ، نظيفٌ يُحِبُّ النظافةَ ، كريمٌ يُحِبُّ الكرمَ ، جَوادٌ يُحِبُّ الجُودَ ؛ فنَظِّفُوا أَفْنِيَتَكم ؛ ولا تَشَبَّهوا باليهودِ” ” الترمذي”
4- نظافة الثياب: وذلك بغسلها والاهتمام بالطيب والتعطر بالروائح العطرة، مما يضفي على الشخص جمالاً، ففي صحيح مسلم قَالَ- r -: « إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ »
5- التخلص من الروائح الكريهة: ولا سيما عند دخول المساجد، فَعَنْ جَابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي اللهُ عنهما أَنَّ النَّبِيَّ – r – قَالَ: “مَنْ أَكَلَ الثُّومَ وَالْبَصَلَ وَالْكُرَّاثَ فَلا يَقْرَبَنَّ مَسْجِدَنَا، فَإِنَّ الْمَلائِكَةَ تَتَأَذَّى مِمَّا يَتَأَذَّى مِنْهُ بنو آدمَ”(مسلم)
6- النظافة من الحيض: فأمرت المرأة أن تغتسل بعد الحيض أو الإستحاضة أو النفاس؛ وأن تنظف مكان الدم وتطيبه بالمسك. فَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ النَّبِيَّ – r – عَنْ غُسْلِهَا مِنْ الْمَحِيضِ فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ قَالَ ” خُذِي فِرْصَةً مِنْ مَسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا، قَالَتْ كَيْفَ أَتَطَهَّرُ؟ قَالَ: تَطَهَّرِي بِهَا، قَالَتْ كَيْفَ؟ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ؟!! تَطَهَّرِي، فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَيَّ فَقُلْتُ: تَتَبَّعِي بِهَا أَثَرَ الدَّمِ” ( الشيخان )
7- نظافة البدن وغسله: وفي نظافة البدن أُمِر المسلم بغسله يوم الجمعة، حتى عُبر عنه في بعض الأحاديث بلفظة (واجب)، فَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – r – ” قَالَ غُسْلُ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ” ( الشيخان )، على أن لا يقل الغسل عن مرة في الأسبوع ففي الحديث: ” حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ ” (متفق عليه عن أبي هريرة) ويتأكد ذلك إذا وجدت أسبابه من العرق والوسخ ونحوه، حتى لا يكون مصدر إيذاء لمن يخالطه.
8– الاهتمام بسنن الفطرة: وتكميلاً لذلك جاءت الأحاديث بما عرف باسم (سنن الفطرة) التي تدل رعايتها على مدى حرص الإنسان على النظافة والتجمل، والمحافظة على نعمة الصحة والزينة، فَعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللهِ – r -: ” عَشْرٌ مِنَ الْفِطْرَةِ : قَصُّ الشَّارِبِ ، وَإِعْفَاءُ اللِّحْيَةِ ، وَالسِّوَاكُ ، وَالاِسْتِنْشَاقُ بِالْمَاءِ ، وَقَصُّ الأَظْفَارِ ، وَغَسْلُ الْبَرَاجِمِ ، وَنَتْفُ الإِبْطِ ، وَحَلْقُ الْعَانَةِ ، وَانْتِقَاصُ الْمَاءِ ، يَعْنِي الاِسْتِنْجَاءَ. قَالَ زَكَرِيَّا : قَالَ مُصْعَبٌ : وَنَسِيتُ الْعَاشِرَةَ ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ الْمَضْمَضَةَ.”( مسلم )
9- نظافة الطريق: وذلك بإماطة الأذي عنها، وعدم إلقاء القاذورات في الشوارع والطرقات، وقد عد الإسلام ذلك شعبة من شعب الإيمان، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ – r – قَالَ : ( الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً , فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ , وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ , وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ ) ( متفق عليه) ، ومما حذرت منه السنة أشد التحذير: التخلي في الطريق، ومواضع الظل، وقد جعله مما يجلب اللعنة على صاحبه، سواء لعنة الله أم لعنة الناس، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللَّهِ – r – قَالَ : ” اتَّقُوا اللاعِنَيْنِ ” قَالُوا : وَمَا اللاعِنَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : “الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي ظِلِّهِمْ ” وفي رواية : ” اتَّقُوا الْمَلاَعِنَ الثَّلاَثَ : الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ ، وَالظِّلِّ ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ. ” ( أبو داود، وابن ماجه، والحاكم ).
10- نظافة الطعام والشراب: فقد حثت السنة على العناية بالطعام والشراب، وحمايتهما من أسباب التلوث، فَعَنْ جَابِرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – r -:” أَغْلِقُوا أَبْوَابَكُمْ ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ ، وَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ ، وَأَوْكُوا أَسْقِيَتَكُمْ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا ، وَلَا يَكْشِفُ غِطَاءً ، وَلَا يَحُلُّ وِكَاءً ، وَإِنَّ الْفُوَيْسِقَةَ تُضْرِمُ الْبَيْتَ عَلَى أَهْلِهِ ” يَعْنِي: الْفَأْرَةَ .” (مسلم ، وأبو داود، وأحمد).
11- نظافة المياه: وذلك بالمحافظة على تنقيتها وطهارتها، وعدم إلقاء القاذورات والمخلفات والبقايا فيها، باعتبار أن الماء أساس الحياة، وقد جاءت أوامره – r – ناهية عن أن يُبال في الماء الراكد، فَعَنْ جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ – r – ” أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ” (مسلم) ، كما يشمل النهي البول في الماء الجاري وفي أماكن الظل باعتبارها أماكن يركن إليها المارة للراحة من وعثاء السفر، وعناء المسير، وربما لأن الشمس لا تدخلها فلا تتطهر فتصبح محط الأوبئة وموضع الأمراض، وفي الحديث: ” لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ ” (متفق عليه عن أبي هريرة). والعلة من ذلك حتى لا تنتشر الأمراض والجراثيم، وبهذا سبقت السنّة بالحث على حماية البيئة من التلوث، بل عُدَّ للمقصر في الطهارة عذابٌ أليم، فَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّه- r -عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ:”إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا هَذَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَأَمَّا هَذَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ”( متفق عليه)
العنصر الثاني: علاقة الإنسان بالبيئة : للإنسان علاقة وطيدة بالبيئة تتمثل فيما يلي:-
أولاً: علاقة خلافة وتسخير وحق وواجب: فقد قبل الإنسان استخلافه في الأرض؛ ولذلك فعليه أن يتحمل مسئولية إعمار الكون والمحافظة على البيئة، وذلك في مقابل ما ينعم به الإنسان من تسخير الكون في خدمته وسعادته؛ فلقد يسر الله له رزقه وسخر له الأرض والسماء والشمس والسحاب… وغيرها؛ فهي علاقة حق وواجب، فالحق هو الحق المشترك بين الناس في الاستمتاع والانتفاع بعطاء الله ورزقه. أما الواجب فهو واجب الرعاية والمحافظة على الكون والوجود؛ لأنَّ هذا هو مقتضى الخلافة والأمانة التي تحملها الإنسان.
ثانياً: علاقة العبودية والتسبيح: فالعقيدة الإسلامية تكشف بيسر ووضوح عن الغاية من خلق الكون؛ فكل شيء يقر بعبوديته لله الخالق البارئ المصور، فيسبح بحمده ويسجد له: } تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا { ( الإسراء: 14)، وقال: } أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ { ( الحج: 15) وقال: } وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ{ ( الذاريات: 16)، فالعامل المشترك بين الإنسان وجميع عناصر البيئة هو العبودية في كل، إلا أن عناصر البيئة من جماد وحيوان ونبات وغيرها لا تستطيع أن تتخلف عن التسبيح لحظة، والإنسان هو الكائن الوحيد الذي يتخلف، لذلك عدل الله عن سياق العطف على السجود فقال: }وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ{ ، وكان السياق أن يقول (والناس) ، أفلا يستحي الإنسان أن يسجد الحجر والشجر دونه؟
ثالثاً: علاقة تدبر وتفكر: إنَّ الشرع الإسلاميَّ لم يقف عند حدود المحافظة ؛ بل تعدَّاها إلى التنمية والإصلاح وغير ذلك ؛ لأنَّ الإسلام حضَّ على العمل والتَّـفَكُّر والبحث عن أسرار الكون ؛ استدلالًا على الوجود الإلهي، ووصولًا إلى اليقين، فالإسلام يكشف للناس أن عناصر الكون وظواهر الطبيعة من آيات الله سخرها لنفع البشر، وجعلها دليلاً على قدرته ومادة للتذكر والتدبر والتفكير: } وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ * وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ{ ( النحل: 20 )
وفي كل شيء له آية ……….. تدل على أنه الواحد
وكم من علماء غربيين أسلموا نتيجة بحوثهم في الآيات الكونية والإنسانية، وألفت في ذلك مؤلفات وكتب ومنها كتاب تحت عنوان ” لماذا أسلم هؤلاء ” وليس هنا مجال لذكر أمثلة منهم.
رابعاً: علاقة حب وتعاون وتمازج: فالعقيدة الإسلامية تفرض على المسلم أن يتعامل مع عناصر البيئة ومكوناتها بحب وتعاون وتمازج، فيحافظ عليها وينميها ويحذر من إفسادها حتى لا يتعرض لسخط الله وغضبه: } وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ { ( الأعراف: 21 )
إنَّ الإسلام يتعامل مع الطبيعة والكون من منطلق الحب والاحترام، وهو مستوًى رفيع يزيد على مستوى المحافظة والتنمية؛ فلقد وجه الإسلام الإنسان إلى إنشاء علاقة بينه وبين الجماد، فيها مشاركة وحنين وشوق. فتلك رؤية تَمَيَّز بها الإسلام؛ فقدم رؤية متكاملة للكون، تدعو الإنسان إلى المحافظة عليه، وحسن الانتفاع بما فيه من موارد.
خامساً: علاقة العقيدة التوحيد: فالله واحد لا شريك له، وخلق جميع الأشياء زوجين، قال تعالى: } وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { (الذاريات: 49)، قال ابن كثير – رحمه الله- } وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ { أي: جميع المخلوقات أزواج: سماء وأرض، وليل ونهار، وشمس وقمر، وبر وبحر، وضياء وظلام، وإيمان وكفر، وموت وحياة، وشقاء وسعادة، وجنة ونار، وجن وإنس، ذكور وإناث ، حتى الحيوانات والنباتات، ولهذا قال: } لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ { أي: لتعلموا أن الخالق واحدٌ لا شريك له.) أ.ه
وقال القرطبي: }وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ{ لتعلموا أن خالق الأزواج فرد، فلا يقدر في صفته حركة ولا سكون، ولا ضياء ولا ظلام، ولا قعود ولا قيام، ولا ابتداء ولا انتهاء؛ إذ عز وجل وتر } لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ{ ( الشورى:11)
فالعامل المشترك بين الإنسان وجميع عناصر البيئة هو التوحيد في كل، لأن جميع عناصر البيئة – بما فيها الإنسان – مزدوجة، والله واحد.
العنصر الثالث: واجبنا نحو البيئة
إن واجبنا نحو البيئة يتمثل فيما يلي:-
أولاً: استخدام موارد الطبيعة وعناصر البيئة فيما خلقت له: فإذا أكرمك الله بمالٍ فلا تنفقه في حرام ، وإذا أنعم الله عليك بتلفازٍ فلا تستعمله في حرام، وشبكة الانترنت تستخدمها في الدعوة إلى الله، ………………إلخ، لأن شكر هذه النعم استخدامها في طاعة الله، وكفرها استخدامها في الفساد والإفساد ، وقد وعدنا الله بالمزيد إن شكرنا، وبالعذاب إن قصرنا حيث قال: } وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ{ (إبراهيم: 7)
ثانياً: الشكر لا يكون باللسان وإنما بالعمل: فقد خص الله سيدنا سليمان وابنه داود عليهما السلام بمعجزات من عناصر البيئة لاختبارهما وامتحانهما، فقال على لسان سليمان بعد ذكر النعم عليه } قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ { (النمل : 40) } وَلَقَدْ آَتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (10) أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (11) وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آَلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ { ( سبأ : 10 – 13)
فالله أمر آل داوود بالعمل شكراً، لأن هناك فرقاً بين شكر القول وشكر العمل، فشكر القول باللسان يسمي حمداً وبالعمل يسمي شكراً ، لذلك قال: اعملوا ، ولم يقل: قولوا شكراً، لأن الشاكرين بالعمل قلة، لذلك زيل الآية بقوله: } وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ{
وقد مر سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذات يوم برجل في السوق فإذا بالرجل يدعو ويقول : ( اللهم اجعلني من عبادك القليل .. اللهم اجعلني من عبادك القليل )
فقال له سيدنا عمر: من أين أتيت بهذا الدعاء؟ فقال هذا الرجل: إن الله يقول في كتابه العزيز : } وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ {، وقال: } إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ{ ( ص : 24 )، فأسأل الله أن يجعلني من هؤلاء القليل، فبكى سيدنا عمر وقال: كل الناس أفقه منك يا عمر.
ثالثاً: المحافظة على الماء: لأن الماء تعد أساس الحياة ومصدر كل شيء، يقول الله تعالى: } وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ { (الأنبياء:30)، فالنبات والحيوان والإنسان يرتبط وجودهم بوجود الماء، واستمرار حياتهم متوقف على توافر الماء، لذا تجب محاربة كل المحاولات التي تهدف إلى الإسراف والتبذير للمياه أو تلوثها، لأن التلوث بحد ذاته تعطل وظيفة الماء في كونه أساس الحياة.
رابعاً: إن من أهم واجباتنا نحو البيئة عدم الفساد والإفساد فيها: لأننا نخلق الفساد بأيدينا قال تعالى: } ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ{ (الروم: 41)، وقال: } وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا { ( الأعراف : 56 )، وقال: } وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ { (البقرة : 205)، ومن صور الفساد والإفساد في الأرض تخريب وتدمير المنشآت العامة، وقطع الأشجار وإتلاف الحدائق والزينة وحرقها، وإذا كان الإسلام نهانا أن نفعل ذلك مع الأعداء؛ فمن باب أولى أن نحافظ على حرمات المسلمين، كذلك من صور الفساد والإفساد في الأرض تجريف الأرض الزراعية أو التعدي عليها أو زرعها بألوان الزرع المحرم من المسكرات والمخدرات.
خامساً:كثرة الاستغفار واللجوء إلى الله: فهذا عامل مهم في زيادة موارد البيئة ونمائها، قال تعالى على لسان نوح عليه السلام: } فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا { (نوح:10- 12) ، وقال تعالى: } وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ { (الأعراف: 96)
فالطاعة والحسنات وتقوى الله سبيل للخير والبركة، والمعصية والسيئات سبيل لمحق البركة وضيق الرزق، وما أجمل مقولة عبد الله بن عباس: “إن للحسنة ضياءً في الوجه ، ونوراً في القلب ، وسعةً في الرزق ، وقوةً في البدن ، ومحبةً في قلوب الخلق ، وإن للسيئة سواداً في الوجه ، وظلمةً في القلب ، ووهناً في البدن ، وضيقاً في الرزق ، وبغضاً في قلوب الخلق”
سادساً: طهارة الباطن قبل طهارة الظاهر:فلابد من طهارة الباطن من المعصية والرذيلة والحقد والحسد والكفر والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق، وذلك لأن طهارة الظاهر للدنيا، وطهارة الباطن للآخرة، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – r -: “إِنَّ اللَّه لا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَادِكُمْ و لا إِلَى صُوَرِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَشَارَ بِأَصَابِعِهِ إِلَى صَدْرِهِ “( متفق عليه )، وسلامة الباطن شرط لدخول الجنة قال تعالى: } وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ { (الحجر: 47)
اللهم طهِّر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب وأعيننا من الخيانة إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
الدعاء…….. وأقم الصلاة،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
دكتوراه فى الدعوة والثقافة الإسلامية